أسباب هجرة أهل سيدي راشد
أسباب هجرة أهل سيدي راشد
بالرغم من تلك
الصفات التي عرف بها الرواشد،والصورة الزاهية التي تميزت بها قريتهم في الماضي
الدارس،فقد ذاقوا الأمرين من الاستعمار والمعمرين، الذين كانوا سببا مباشرا في
تهجيرهم،وتشتيت شملهم،وخلاء بلادهم،.
قد حاول
المعمرون أن يحطوا رحالهم بسيدي راشد،وتطبيق هيمنتهم على سكانها،مثل ما فعلوا في
أماكن أخرى،فلم ينجحوا في سعيهم، ولم يتمكنوا من إنشاء مزارع لهم بها، على غرار
مزارعهم بتمرنة والمالحة وسخاين،لأن الرواشد وقفوا في وجوههم معارضين أن يملك
المعمرون أرضهم و محذرين من اغتصابها ، فاستعملوا
كل الوسائل المتاحة لديهم لمنعهم ، وهددوا كل من يعمل في المزارع التي ينوون
إنشاءها عنوة وتحرشوا بكل من تسول له نفسه بيع أرضه لمعمر.
فهذا الموقف الذي
وقفه السكان، وأعيان القرية في وجه المعمرين أدى بالنافذين منهم في السلطة،إلى
سلوك أسلوب المكر والكيد ، فتآمروا فيما بينهم بمساعدة الحاكم العسكري، فضغطوا على
المهندسين،ليقرروا عدم وجود المياه الجوفية في الخط الذي تقع فيه قرية سيدي راشد،ذلك الخط الذي
يشمل غمرة ومقر وسيدي سليمان وبرام وتمرنة، وقد شارك في هذه المؤامرة جميع معمري وادي ريغ،لحماية مزارع نخيلهم من
جهة ، و القضاء على واحة سيدي راشد في نية بعضهم من جهة ثانية، خصوصا "شارل
بونور" و "وارما دوفيك"
ليضطر الأهالي إلى الهجرة وبيع عقاراتهم بأرخص الأثمان، ونفذ المهندسون
وعيد المعمرين، وقرروا قرارهم ،الذي يمنع حفر الآبار بخط غمرة سيدي سليمان سيدي
راشد تمرنة سيدي يحيي،بزعمهم الحفاظ على مخزون المياه.مع أن أول
بئر ارتوازي تم حفره بوادي ريغ كان عام 1856 بتمرنة يدفق نحو 100 لتر في الدقيقة، وفي عام
1857 تم حفر بئرين مماثلين في كل من سيدي راشد والآخر في تملاحت بتماسين، فكانت
هذه الآبار الثلاثة التي يتصاعد منها الماء تلقائيا وفرت من المياه ما كان يوفره
300 بئر تقليدي1
وهذا القرار انطبق
على الأهالي دون غيرهم ، لأن بعضا من المعمرين حاولوا مرات كثيرة الحفر بسيدي راشد،فوقف
في وجههم السكان وهددوهم بطمس كل بئر يحفر لصالح المعمرين دون إشراك السكان فيه أو
إلغاء قرار المنع ورفع الحضر على الأهالي،وهذا العناد الذي ركبه الأهالي ،والتمرد
الذي عشش في أدمغتهم ،زاد في جنون المعمرين،فازدادت معارضتهم للتنقيب ،مستغلين
قرار المهندسين الذي يقضي بعدم وجود المياه بقرية سيدي راشد.
في هذه الوضعية
المزرية والجفاف الزاحف،والقحط الحاد بدأ النخيل يتماوت،وكثبان الرمال تنهال
وتتراكم من كل صوب زاحفة على القرية ،
وأخذت المساحات الخضراء تنحسر وتتقلص شيئا فشيئا ، والعمران يتآكل من أطرافه ،
والنشاط الفلاحي يتضاءل ويقل،فدخل أهل القرية في أزمة اقتصادية حادة ، وصارت أنياب
الفقر تهددهم،وصار العيش صعبا والحياة عسيرة ،والفاقة تعم وتتوسع.
وعندها لم تعد
الإقامة ممكنة،شرع القوم يهاجرون إلى حيث يجدون لقمة العيش ، ويتنكبون سبيل الرزق،
فانتقلوا إلى القرى المجاورة، وانتشروا عبر الإقليم، فاستقرت عائلة بن الزاوي في
البداية بسيدي سليمان، وعائلة العلوي بجامعة ، وعائلة بن السايح بعض أفرادها انتقل
إلى سيدي سليمان وبعضهم إلى جامعة، وعائلة قادري انتقل بعضهم إلى سيدي
عمران،وبعضهم استقر بجامعة وسيدي خليل ثم المهدية،وبعض الأفراد تجولوا في أكثر من
مكان ،ولم يبق منهم بسيدي راشد إلا قلة قليلة مغلوبة على أمرها.
وعندما رأى المعمرون
نزوح الأهالي يتوالى ، وخروجهم من القرية
يتواصل، و وقفوا على وقع الكارثة التي تسببوا فيها،اغتنموا الفرصة لإعادة الكرة من
جديد،فزينوا لبعض الناس بيع عقاراتهم الجرداء، فالأولى الاستفادة منها ماديا
وتعويضها بشراء عقارات أخرى بالقرى المجاورة،بدل من ضياعها منها كلها،فوجد العرض
هوى في نفوس البعض فتنازلوا لهم وتشجعوا للبيع،لكن عندما تفطن الأعيان للعبة،وقفوا
مرة أخرى وقفة صامدة،يعارضون بيع الأرض وشرائها، فكاتبوا الولاية العامة لمنع ما
يقع بالقرية من مقايضة وإغراء،بحكم أن التراب البور عروشي
مشاع بين الأهالي ، وهو ملك لمن يعمره من أهل البلد وليس لأحد الحق في بيعه
والتصرف فيه، فلم يسمع المعمرون لمطلب
الأعيان ، ولم يبالوا بمعارضة الأهالي،فاستغلوا نفوذهم،واستعملوا ضغوطهم
حتى حازوا الأراضي بالقوة وهيئوها،ومن المعمرين الذين أصروا على الاستصلاح بأرض
سيدي راشد و استغلالها هم" شارل بونور" الذي حفر بئرا سالت مياهه على
وجه الأرض،وبذلك كذَّب البئر زعم المهندسين،وحينا جند الأهالي الشباب فطمسوا
البئر،مما جر هذا العمل مجموعة كبيرة من الشباب إلى التوقيف و السجن ثم النفي.إلى
خارج إلى الإقليم.
وبعد هذه
الحادثة،والشكاوى الكثيرة التي رفعها الأهالي للولاية العامة ازداد غضب المعمرين
وشمروا للقضاء على القرية قضاء مبرما، وكان لهم ما أرادوا ، حيث جمدوا كل المشاريع
العمرانية،التي يمكن أن تعيد للقرية سابق عهدها ،كما فعلوا بغمرة و لهريهيرة وتمرنة.
واستمر الأمر كذلك
يتفاقم ، و وضعية سكان سيدي راشد تتعقد، وجاء مشروع قسنطينة
الاستعماري عام 1958 الذي قررته سياسة ديغول الإغرائية لحمل الأهالي بقبول الوجود
الاستعماري،وعزلهم عن الثورة،وقد برمج سيدي راشد في المشروع لإعادة إحيائه من
جديد، لكن المعمرين وقفوا معارضين أن يتم المشروع في سيدي راشد،وأبوا إلا أن تكون
المشاريع الاستثمارية في مواطن أخرى،غير أرض سيدي راشد،فحولوا
المشروع من أرض سيدي راشد إلى أرض عرش تمرنة،فاغتصبوها من أهلها فكانت عين الشوشة،ثم
توسع المشروع إلى المرارة وسيدي ماضي وغمرة والهريهيرة بوادي ريغ،وهبة بوادي سوف وزلفانه بناحية متليلي.
وبإصرار المعمرين،
وعناد من أهل سيدي راشد تحولت سيدي راشد
إلى صحراء قاحلة مخيفة ،تمثلها أحد أبنائها مرثية مطولة هذا مقطع منها.
أبيت
حليف النجم في ظلم الدجى أفكر في ليلى وأيــــــــــــام صبــوتي
وعهدي
مع ليلى مضى عقب الصبا فما كنت أخفيه
على أصفــــــى أحبتي
عمدت
للتجـــوال في ربا دارهــــا وجدت
خلـــــو الدار سبب وحشتي
فأصبحت
مـــــــراع للظبـا أمينـة و فيها
مراد الوحــــش يرقب غفلتي
وعندما سطع فجر
الاستقلال،تنفس الرواشد الصعداء،وكلهم أمل وثقة في دولتهم الوطنية ،لتعيد الاعتبار
لهذه القرية التاريخية وإعادة إحيائها من جديد ،فما فتئ أبناؤها يطالبون الهيئات
والمسؤولين، لإعادة الحياة لهذه القرية التي عضها الاستعمار بنابه،لكن لا حياة لمن
تنادي،مع وجود حسد عرقي متمكن في بعض من بيدهم الحل،فيقفون كل
مرة حجر عثرة في إعادة الحياة لقرية سيدي راشد.
تعليقات
إرسال تعليق